فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما علمت أنهن عذرنها، قالت مؤكدة استلذاذًا بالتهتك في حبه: {ولقد} أي أقول هذا والحال أني والله لقد تحقق أني: {راودته عن نفسه} أي لأصل إليه بما أريد: {فاستعصم} أي فأوجد العصمة والامتناع عليّ فاشتد اعتصامه، وما أنا براجعة عنه؛ ثم توعدته وهو يسمع لِيَلين، فقالت لهن مؤكدة لأن حال حبها يوجب الإنكار لأن تفعل ما يؤذي المحبوب: {ولئن لم يفعل} أي هذا الفتى الذي قام عذرى عندكن فيه: {ما أمره} أي أمري: {ليسجنن} أي ليمنعن من التصرف بالحبس بأيسر سعي مني.
ولما كان عزمها على السجن أقوى من العزم على إيقاع الصغار به، أكدته بالنون الثقيلة وقالت: {وليكونا} بالنون الخفيفة: {من الصاغرين} أي الأذلاء، أو أن الزيادة في تأكيد السجن لأنه يلزم منه إبعاده، وإبعاد الحبيب أولى بالإنكار من إهانته، فقال له النسوة: أطعها لئلا تسجنك وتهينك، فكأنه قيل: فما قال؟ فقيل: {قال} يهتف بمن فنى بشهوده عن كل مشهود، دافعًا عن نفسه ما ورد عليه من وسوسة الشيطان في أمر جمالها وأمر رئاستها ومالها، ومن مكر النسوة اللاتي نوّعن له القول في الترغيب والترهيب عالمًا بأن القوة البشرية تضعف عن حمل مثل هذا إلا بتأييد عظيم، مسقطًا للأداة على عادة أهل القرب: {رب السجن} وهو محيط مانع من الاضطراب فيما خرج عنه: {أحب إليّ} أي أقل بغضًا: {مما يدعونني} أي هؤلاء النسوة كلهن: {إليه} لما علم من سوء عاقبة المعصية بعد سرعة انقضاء اللذة، وهذه العبارة تدل على غاية البغض لموافقتها، فإن السجن لا يتصور حبه عادة، وإنما المعنى أنه لو كان يتصور الميل إليه كان ميلي إليه أكثر، لكنه لا يتصور الميل إليه لأنه شر محض، ومع ذلك فأنا أوثره على ما دعونني إليه، لأنه أخف الضررين، والحاصل أنه أطلق المحبة على ما يضادها في هذا السياق من البغض بدلالة الالتزام، فكأنه قيل: السجن أقل بغضًا إلى ما تدعونني إليه، وذلك هو ضد أحب الذي معناه أكثر حبًا، ولكن حولت العبارة ليكون كدعوى الشيء مقرونًا بالدليل، وذلك أنه لما فوضل في المحبة بين شيئين أحدهما مقطوع ببغضه، فُهم قطعًا أن المراد إنما هو أن بغض هذا البغيض دون بغض المفضول، فعلم قطعًا أن ذلك يظن حبه أبغض من هذا المقطوع ببغضه، وكذا كل ما فوضل بينهما في وصف يمنع من حمله على الحقيقة كون المفضل متحققًا بضده- والله الموفق؛ والدعاء: طلب الفعل من المدعو، وصيغته كصيغة الأمر إلا أن الدعاء لمن فوقك، والأمر لمن دونك: {وإلا تصرف} أي أنت يا رب الآن وفيما يستقبل من الزمان، مجاوزًا: {عني كيدهن} أي ما قد التبس من مكرهن وتدبيرهن الذي يردن به الخبث احتيالًا على الوصول إلى قصدهن خديعة وغرورًا: {أصب} أي أمل ميلًا عظيمًا: {إليهن} لما جبل الآدمي عليه من الميل النفساني إلى مثل ذلك، ومتى انخرق سياج صيانته بواحدة تبعها أمثالها، واتسع الخرق على الراقع، ولذلك قال: {وأكن} أي كونا هو كالجبلة: {من الجاهلين} أي الغريقين في الجهل بارتكاب مثل أفعالهم: {فاستجاب له ربه} أي أوجد المحسن إليه إيجادًا عظيمًا إجابة دعائه الذي تضمنه هذا الثناء، لأن الكريم يغنيه التلويح عن التصريح- كما قيل:
إذا أثنى عليك المرء يومًا ** كفاه من تعرّضه الثناءُ

وفعل ذلك سبحانه وتعالى إكرامًا له وتحقيقًا لما سبق من وعده في قوله: {كذلك لنصرف عنه السوء} [يوسف: 24] الآية: {فصرف عنه كيدهن} ثم علل ذلك بقوله: {إنه هو السميع} أي للأقوال: {العليم} بالضمائر والنيات، فيجيب ما صح فيه القصد وطاب منه العزم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ}
اعلم أن النسوة لما قلن في امرأة العزيز قد شغفها حبًا إنا لنراها في ضلال مبين، عظم ذلك عليها فجمعتهن: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} فعند ذلك ذكرت أنهن باللوم أحق لأنهن بنظرة واحدة لحقهن أعظم مما نالها مع أنه طال مكثه عندها.
فإن قيل: فلم قالت: {فذلكن} مع أن يوسف عليه السلام كان حاضرًا؟
والجواب عنه من وجوه: الأول: قال ابن الأنباري: أشارت بصيغة ذلكن إلى يوسف بعد انصرافه من المجلس.
والثاني: وهو الذي ذكره صاحب الكشاف وهو أحسن ما قيل: إن النسوة كن يقلن إنها عشقت عبدها الكنعاني، فلما رأينه ووقعن في تلك الدهشة قالت: هذا الذي رأيتموه هو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتنني فيه يعني: أنكن لم تتصورنه حق تصوره ولو حصلت في خيالكن صورته لتركتن هذه الملامة.
واعلم أنها لما أظهرت عذرها عند النسوة في شدة محبتها له كشفت عن حقيقة الحال فقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فاستعصم}.
واعلم أن هذا تصريح بأنه عليه السلام كان بريئًا عن تلك التهمة، وعن السدي أنه قال: {فاستعصم} بعد حل السراويل وما الذي يحمله على إلحاق هذه الزيادة الفاسدة الباطلة بنص الكتاب.
ثم قال: {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مّن الصاغرين} والمراد أن يوسف عليه السلام إن لم يوافقها على مرادها يوقع في السجن وفي الصغار، ومعلوم أن التوعد بالصغار له تأثير عظيم في حق من كان رفيع النفس عظيم الخطر مثل يوسف عليه السلام، وقوله: {وَلَيَكُونًا} كان حمزة والكسائي يقفان على: {وَلَيَكُونًا} بالألف، وكذلك قوله: {لَنَسْفَعًا} [العلق: 15] والله أعلم.
{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}
واعلم أن المرأة لما قالت: {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مّن الصاغرين} [يوسف: 32] وسائر النسوة سمعن هذا التهديد فالظاهر أنهن اجتمعن على يوسف عليه السلام وقلن لا مصلحة لك في مخالفة أمرها وإلا وقعت في السجن وفي الصغار فعند ذلك اجتمع في حق يوسف عليه السلام أنواع من الوسوسة: أحدها: أن زليخا كانت في غاية الحسن.
والثاني: أنها كانت ذات مال وثروة، وكانت على عزم أن تبذل الكل ليوسف بتقدير أن يساعدها على مطلوبها.
والثالث: أن النسوة اجتمعن عليه وكل واحدة منهن كانت ترغبه وتخوفه بطريق آخر، ومكر النساء في هذا الباب شديد، والرابع: أنه عليه السلام كان خائفًا من شرها وإقدامها على قتله وإهلاكه، فاجتمع في حق يوسف جميع جهات الترغيب على موافقتها وجميع جهات التخويف على مخالفتها، فخاف عليه السلام أن تؤثر هذه الأسباب القوية الكثيرة فيه.
واعلم أن القوة البشرية والطاقة الإنسانية لا تفي بحصول هذه العصمة القوية، فعند هذا التجأ إلى الله تعالى وقال: {رَبّ السجن أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ} وقرئ: {السجن} بالفتح على المصدر، وفيه سؤالان:
السؤال الأول: السجن في غاية المكروهية، وما دعونه إليه في غاية المطلوبية، فكيف قال: المشقة أحب إلي من اللذة؟
والجواب: أن تلك اللذة كانت تستعقب آلامًا عظيمة، وهي الذم في الدنيا والعقاب في الآخرة، وذلك المكروه وهو اختيار السجن كان يستعقب سعادات عظيمة، وهي المدح في الدنيا والثواب الدائم في الآخرة، فلهذا السبب قال: {السجن أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ}.
السؤال الثاني: أن حبسهم له معصية كما أن الزنا معصية، فكيف يجوز أن يحب السجن مع أنه معصية.
والجواب: تقدير الكلام أنه إذا كان لابد من التزام أحد الأمرين أعني الزنا والسجن، فهذا أولى، لأنه متى وجب التزام أحد شيئين كل واحد منهما شر فأخفهما أولاهما بالتحمل.
ثم قال: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مّنَ الجاهلين} أصب إليهن أمل إليهن يقال: صبا إلى اللهو يصبو صبوًا إذا مال، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن الإنسان لا ينصرف عن المعصية إلا إذا صرفه الله تعالى عنها قالوا: لأن هذه الآية تدل على أنه تعالى إن لم يصرفه عن ذلك القبيح وقع فيه وتقريره: أن القدرة والداعي إلى الفعل والترك إن استويا امتنع الفعل، لأن الفعل رجحان لأحد الطرفين ومرجوحية للطرف الآخر وحصولهما حال استواء الطرفين جمع بين النقيضين وهو محال، وإن حصل الرجحان في أحد الطرفين فذلك الرجحان ليس من العبد وإلا لذهبت المراتب إلى غير النهاية بل هو من الله تعالى فالصرف عبارة عن جعله مرجوحًا لأنه متى صار مرجوحًا صار ممتنع الوقوع لأن الوقوع رجحان، فلو وقع حال المرجوحية لحصل الرجحان حال حصول المرجوحية، وهو يقتضي حصول الجمع بين النقيضين وهو محال، فثبت بهذا أن انصراف العبد عن القبيح ليس إلا من الله تعالى.
ويمكن تقرير هذا الكلام من وجه آخر، وهو أنه كان قد حصل في حق يوسف عليه السلام جميع الأسباب المرغبة في تلك المعصية وهو الانتفاع بالمال والجاه والتمتع بالمنكوح والمطعوم وحصل في الإعراض عنها جميع الأسباب المنفرة، ومتى كان الأمر كذلك، فقد قويت الدواعي في الفعل وضعفت الدواعي في الترك، فطلب من الله سبحانه وتعالى أن يحدث في قلبه أنواعًا من الدواعي المعارضة النافية لدواعي المعصية إذ لو لم يحصل هذا المعارض لحصل المرجح للوقوع في المعصية خاليًا عما يعارضه، وذلك يوجب وقوع الفعل وهو المراد بقوله: {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مّنَ الجاهلين}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قال رب السجن أحب إلىَّ مما يدعونني إليه}
وهذا يدل على أنها دعته إلى نفسها ثانية بعد ظهور حالهما، فقال: {رب السجن أحب إلىَّ} يعني الحبس في السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه.
ويحتمل وجهين:
أحدهما: أنه أراد امرأة العزيز فيما دعته إليه من الفاحشة وكنى عنها بخطاب الجمع إما تعظيمًا لشأنها في الخطاب وإما ليعدل عن التصريح إلى التعريض.
الثاني: أنه أراد بذلك جماعة النسوة اللاتي قطعن أيديهن حين شاهدنه لاستحسانهن له واستمالتهن لقلبه.
{وإِلاَّ تصرف عني كيدهن} يحتمل وجهين:
أحدهما: ما دعي إليه من الفاحشة إذا أضيف ذلك إلى امرأة العزيز.
الثاني: استمالة قلبه إذا أضيف ذلك إلى النسوة.
{أصْبُ إِليهن} فيه وجهان:
أحدهما: أتابعهن، قاله قتادة.
الثاني: أمل إليهن، ومنه قول الشاعر:
إلى هند صبا قلبي ** وهند مثلها يصبي

. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ}.
فيها مسألتان:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
أُكْرِهَ يُوسُفُ عَلَى الْفَاحِشَةِ بِالسِّجْنِ، وَأَقَامَ فِيهِ سَبْعَةَ أَعْوَامٍ، وَمَا رَضِيَ بِذَلِكَ لِعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ وَشَرِيفِ قَدْرِهِ، وَلَوْ أُكْرِهَ رَجُلٌ بِالسِّجْنِ عَلَى الزِّنَا مَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ إجْمَاعًا، فَإِنْ أُكْرِهَ بِالضَّرْبِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ؛ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فَادِحًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ إثْمُ الزِّنَا وَحْدَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُسْقِطُ الْحَدَّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ عَلَى عَبْدِهِ الْعَذَابَيْنِ، وَلَا يَصْرِفُهُ بَيْنَ الْبَلَاءَيْنِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْحَرَجِ فِي الدِّينِ، وَصَبَرَ يُوسُفُ عَلَى السِّجْنِ، وَاسْتَعَاذَ مِنْ الْكَيْدِ فَقَالَ: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ} الْآيَتَيْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
قَوْلُهُ: {أَحَبُّ} بِنَاءُ أَفْعَلَ فِي التَّفْضِيلِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِكَيْنِ فِي الشَّيْءِ، وَلِأَحَدِهِمَا الْمَزِيدُ فِي الْمُشْتَرَكِ فِيهِ عَلَى الْآخَرِ، وَلَمْ يَكُنْ الْمَدْعُوُّ إلَيْهِ حَبِيبًا إلَى يُوسُفَ، وَلَكِنَّهُ كَنَحْوِ الْقَوْلِ: الْجَنَّةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ النَّارِ، وَالْعَافِيَةُ أَحَبُّ إلَى قَلْبِي مِنْ الْبَلَاءِ؛ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِنَا. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ}
قال الطبري: المعنى: فهذا: {الذي لمتنني فيه}، أي هذا الذي قطعتن أيديكن بسببه هو الذي جعلتنني ضالة في هواه، والضمير عائد على يوسف في: {فيه} ويجوز أن تكون الإشارة إلى حب يوسف، والضمير عائد على الحب، فيكون ذلك إشارة إلى غائب على بابه.
ثم أقرت امرأة العزيز للنسوة بالمراودة واستنامت إليهن في ذلك إذ قد علمت أنهن قد عذرنها، و: {استعصم} معناه: طلب العصمة وتمسك وبها وعصاني، ثم جعلت تتوعده وهو يسمع بقولها: {ولئن لم يفعل} إلى آخر الآية.
واللام في قوله: {ليسجنن} لام القسم، واللام الأولى هي المؤذنة بمجيء القسم، والنون هي الثقيلة والوقف عليها بشدها، و: {ليكونًا} نونه هي النون الخفيفة، والوقف عليه بالألف، وهي مثل قوله: {لنسفعًا} [العلق: 15] ومثلها قول الأعشى: الطويل:
وصلّ على حين العشيات والضحى ** ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا

أراد فاعبدن.
وقرأت فرقة {وليكونن} بالنون الشديدة. و: {الصاغرين} الأذلاء الذين لحقهم الصغار.
وقوله تعالى: {قال ربي السجن أحب إليّ}، وروي أنه لما توعدته امرأة العزيز قال له النسوة: أطع مولاتك، وافعل ما أمرتك به؛ فلذلك قال: {مما يدعونني إليه} قال نحوه الحسن ووزن {يدعون} في هذه الآية: يفعلن، بخلاف قولك: الرجال يدعون.
وقرأ الجمهور {السِّجن} بكسر السين، وهو الاسم، وقرأ الزهري وابن هرمز ويعقوب وابن أبي إسحاق {السَّجن} بفتح السين وهي قراءة عثمان رضي الله عنه وطارق مولاه، وهو المصدر، وهو كقولك: الجزع والجزع.
وقوله: {وإلا تصرف} إلى آخر الآية، استسلام لله تعالى ورغبة إليه وتوكل عليه؛ المعنى: وإن لم تنجني أنت هلكت، هذا مقتضى قرينة كلامه وحاله، والضمير في: {إليه} عائد على الفاحشة المعنية بما في قوله: {مما}. و: {أصب} مأخوذة من الصبوة، وهي أفعال الصبا، ومن ذلك قول الشاعر- أنشده الطبري- الهزج:
إلى هند صبا قلبي ** وهند مثلها يصبي

ومن ذلك قول دريد بن الصمة: الطويل:
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ** فلما علاه قال للباطل ابعدِ

و{الجاهلين} هم الذين لا يراعون حدود الله تعالى ونواهيه.
وقوله: {فاستجاب له ربه} الآية، قول يوسف عليه السلام: {رب السجن} إلى قوله: {من الجاهلين} كلام يتضمن التشكي إلى الله عز وجل من حاله معهن، والدعاء إليه في كشف بلواه. فلذلك قال- بعد مقالة يوسف-: {فاستجاب له ربه} أي أجابه إلى إرادته وصرف عنه كيدهن في أن حال بينه وبين المعصية، وقوله: {السميع العليم} صفتان لائقتان بقوله: {فاستجاب}. اهـ.